العسكر والرئيس

الأحد 19-08-2012 PM 04:21

منذ صدر قرار الرئيس محمد مرسى بإقالة قيادات المجلس العسكرى والحديث لا ينقطع حول ملابسات القرار وتبعاته. هل القرار مدعوم من أمريكا وقطر؟ هل تم بالاتفاق مع العسكر أو رغما عنهم؟ وهل هى بداية لما يسمى «بأخونة الدولة» أم نهاية لحكم العسكر؟ فى محاولة لفهم القرار وبعيدا عن التخمينات وادعاء المعرفة ببواطن الأمور وكيفية اتخاذ القرار ــ كما يحلو للبعض ــ توجد عدة ملاحظات حول معنى القرار وتبعاته.

•••

أولا: هو قرار ليس فقط غير متوقع نظرا لخلفية الرئيس السياسية (مجيئه من جماعة إصلاحية أكثر منها ثورية)، لكنه وهذا هو المفتاح قرار تاريخى بمعنى الكلمة. فلأول مرة منذ قيام الدولة المصرية الحديثة يتم عزل قيادات عسكرية عن طريق قيادة مدنية منتخبة.

وأيا كان موقفنا من الرئيس (أو بمعنى أدق موقف البعض من جماعة الإخوان المسلمين التى جاء منها الرئيس) لا يصح التقليل من أهمية هذا القرار.

فهو بالمعنى الحرفى انتصارا لمن يستند إلى قوة صندوق الانتخابات فى مقابل من يستند إلى قوة السلاح. وهو بهذا المعنى تعضيد لشرعية الإرادة الديمقراطية فى مقابل الإرادة العسكرية، وهذا فى حد ذاته ليس فقط تقوية للرئيس المنتخب ولكن الأهم أنه يرسخ لخطوة جديدة فى ماهية الحكم المستند على إرادة المصريين (وهو كل ما يملكه الرئيس الحالي) وليس على إنتصار عسكرى (الضربة الجوية أو كونه بطل الحرب والسلام).

ثانيا: القرار لا يعنى بأى حال من الأحوال «الخروج الآمن للعسكر» ولا بالضرورة عدم محاسبتهم على ما ارتكبوه من جرائم خلال عام ونصف من حكم مصر.

فالقرار لم يشمل أى آلية لتحصينهم من المساءلة القانونية كما جرى فى دول أخرى فى أمريكا اللاتينية مثلا. ففى هذه الدول صدرت قوانين أو مواد دستورية تمنع النظام الجديد من محاسبة العسكر، وهو ما لم يحدث فى مصر، ولا يمكن توقع حدوثه بعد الطريقة التى تم بها عزل قيادات المجلس العسكرى.

لكن فى نفس الوقت لا يمكن ولا يصح التعويل فقط على إرادة الرئيس لإنجاز هذه الخطوة. ففى بلد مثل الأرجنتين ظلت مجموعات سياسية تناضل وتضغط لأكثر من عشر سنوات بعد انتهاء حكم العسكر حتى أسقطت قانون تحصين العسكر.

ونحن فى مصر نملك ظروفا أفضل لأسباب كثيرة تجعل من إمكانية محاسبة هؤلاد القادة العسكريين أقرب وأسهل إذا نجحنا فى خلق ضغط مستمر فى هذا الاتجاه.

ثالثا: يرى البعض فى هذا القرار استيلاء لجماعة الإخوان المسلمين على باقى السلطة أو ما سمى «بأخونة الدولة»، ويتناسون أن هذه القرارات لم تجئ مثلا بقيادات من خارج المؤسسة أو قيادات معزولة سابقا نظرا لانتمائها السياسى المناهض.

ولا يعقل تصور أن من وصل إلى منصب مدير المخابرات الحربية مثلا أو رتبة اللواء تحت حكم مبارك كان ينتمى إلى جماعة الإخوان المسلمين التى ما كان يسمح لأفرادها حتى بتبوء المناصب القيادية المدنية وليس العسكرية.

وعلى العكس من تخوف «أخونة الدولة» أرى أن هذه القرارات تفتح الباب لمحاسبة الرئيس الجديد والخروج من ثنائية العسكر (ومن قبله مبارك) فى مقابل الإخوان فى تحديد مواقف القوى السياسية.

فبهذه القرارات (ومن ضمنها إلغاء الإعلان الدستورى المكمل) أصبح الرئيس كامل الصلاحيات والمسئولية يسئل على ما يحدث ولا ينازعه فى السلطة جهة أخرى مما يسهل على القوى السياسية الثورية تحديد جهة الضغط لاستكمال أهداف الثورة ومحاسبته عليها.

رابعا: على قدر ما أن القرار عزل القيادات العسكرية هو خطوة أساسية وكلاسيكية (كما علمتنا الأدبيات وخبرات الدول الأخرى) فى إقامة دولة مدنية بعد أكثر من ستين عاما من حكم العسكر إلا أنه ليس نهاية لعسكرة الدولة.

فكثير من القيادات التى تم عزلها وعينها الرئيس فى مناصب قيادية أخرى (مثل هيئة قناة السويس) هذا بالإضافة إلى القيادات العسكرية الموجودة أساسا فى معظم المواقع المدنية من وزارات وفى المحافظات والهيئات العامة، فضلا على القاعدة الاقتصادية الكبيرة للمؤسسة العسكرية والتى تجعلها دولة داخل الدولة. كل هذه الظواهر لم تمسسها القرارات الأخيرة ــ لإسباب متفهمة ــ ومازالت تتطلب عدة خطوات أخرى وضغط مستمر لتفكيك عسكرة الدولة.

•••

أخيرا لم تكن هذا الخطوة ممكنة دون خطوات أخرى كثيرة سبقتها. بالتأكيد كان حادث سيناء وما أظهره من ضعف المؤسسة العسكرية فى القيام بمهامها الأساسية فى حماية الأمن ثم إحراجها للرئيس بشكل كبير فى أسلوب التعامل بعد الحادث من الأسباب التى عجلت بمثل هذا القرار، لكن لو لم تكن الأرض مهيئة لما تسنى للرئيس تنفيذ مثل هذه القرارات.

فوجود العسكر فى سدة الحكم لأكثر من عام وإراقته لدماء المصريين ثم وجود معارضة فعالة خلقت رأى عام مناؤى لهذه الأفعال ربما حتى داخل صفوف الجيش جعل هذا القرار ممكننا وقلل من تكاليفه.

هذا ليس نجاحا منفردا للرئيس ــ وإن كان هو من سطره ــ لكنه فى الأساس نجاحا للقوى الثورية التى رفعت شعار «يسقط يسقط حكم العسكر» وأجبرت من يحكم على تبنيه.

•••

فتحية لمينا دانيال والشيخ عماد عفت وكل شهداء الحكم العسكرى ومن يقبع فى سجون العسكر إلى الآن منتظرا أن يتم الإفراج عنه بعد أن تم عزل جلاديه.

تعليقات الفيسبوك