الانتخابات البرلمانية المصرية والوعي الأسير

الإثنين 21-11-2011 AM 11:01

المنطق المباشر  يقول إن الانتخابات البرلمانية القادمة فى مصر ستكون أفضل انتخابات يمارسها المصريون باعتبارها أول انتخابات بعد الثورة التى خلع فيها المصريون مبارك ورجاله من الحكم.

  إلا أن الواقع ربما يشير إلى حال مختلف أو حقائق مختلفة .. فالممارسة السياسية لدى المصريين لا ترتبط بشكل وثيق بالأداء الثورى  بقدر ما تظل أسيرة العادات والطبائع الوجدانية، وهى العادات والطبائع الشعبية التى تشغل مرتبة متأخرة فى اهتمام  السياسيين مقارنة باهتمامهم بالموقف أو الفعل السياسي العملي.

منذ أكثر من مائتي عام وعقب جلاء الفرنسيين عن مصر بعد ملحمة نضالية عظيمة عزفها الشعب المصرى، ثار المصريون على سلطة الوالي الاجنبي  خورشيد وعزلوه ضاربين بعرض الحائط رغبة السلطان العثماني مدفوعين بالموقف الوطني الذي تفجر لحظة مواجهة المحتل الفرنسي .. ولكن الطبائع والعادة جعلتهم دائما فى معسكر المحكومين لا الحكام فهرولوا تجاه أجنبى آخر ونصبوا محمد على الالباني حاكماً عليهم.

 المصريون ثاروا في يناير على ظلم واستبداد مبارك ورجاله الفاسدين .. فهل يعني هذا انعكاسا إيجابيا على وعيهم عند اختيار النواب البرلمانيين.

  ثلاثون عاماً عاشها المصريون في ظل قيم منهارة وأخلاقيات متدهورة وأدوات متحايلة أثرت بشكل مباشر أو غير مباشر على الغالبية منهم وخاصة هؤلاء الذين لا يملكون وعياً سياسياً متوزاناً وتحكمهم التوجهات الوجدانية العاطفية القبلية أو الدينية .

المؤشرات في انتخابات النقابات المهنية بعد ثورة يناير تقول إن أدوات وقيم وقواعد السنوات المظلمة الماضية لم ترحل مع رحيل رأس النظام ورجاله بل هي باقية كأساليب وقيم داخل وجدان المصريين، ولم يتخلصوا منها بعد، ولهذا فقد ظهرت أساليب ورموز كثيرة للنظام السابق بكل أدوات الفساد المطبعة فى المجتمع وربما فى أشكال مختلفة يوجهون الدفة تجاه أقرب القوى لمصالحهم والتي غالباً ما تكون أكثر القوى رجعية.

في الاستفتاء على الدستور تكرر نفس المشهد لحشود من المواطنين والمواطنات من البسطاء وهم يهرولون تجاه اللجان الانتخابية دون دراية بماهية موضوع الاستفتاء مدفوعين إما بتأثيرات لعبت على عواطفهم الدينية لجذبهم لموقف يصب في مصالح جماعة محددة أو تأثيرات قبلية في القرى أو الاحياء الشعبية لدفعهم إلى نفس الموقف الذي التقت فيه  نفس المصالح الضيقة.

الأدوات والمفاهيم لم تتغير، والصفوة السياسية لم تلتفت كثيراً لموضوع الوعي بقدر ما كان دورها يميل وبشكل عملي إلى التحريض على التخلص من النظام القائم لترثه بصرف عن وعي وثقافة الشعوب، وعندما سقط النظام فوجئت القوى السياسية بأنها تقف فى مواجهة قيم وطبائع ومفاهيم  أكثر خطورة من النظام المستبد ذاته .

  ولهذا فإنه من المتوقع في الانتخابات البرلمانية المقبلة  أن تتجه كتلة تصويتية كبيرة وخاصة في الريف الى الاختيار طبقاً لمعايير قبلية أو دينية والابتعاد عن المعايير المجتمعية والسياسية  ليصبح المآل أكثر سوءاً.

   الصفوة السياسية فى مصر ما زالت تتعامل مع الشعوب على أنها أدوات لتوصيلها للقيادة أو الحكم باعتبارها طليعة لها وليس باعتبار أن الشعوب هي صاحبة المصلحة الحقيقية ولهذا لم تهتم بالتوعية والقضاء على تراث التخلف الذي فرضه النظام السابق وهو الطريق الوحيد لحكم ديمقراطي شعبي حقيقي. 

تعليقات الفيسبوك