فيروس سي يعرف عن ضحاياه أكثر مما تعرفه الحكومة

الأربعاء 22-07-2015 PM 03:23
فيروس سي يعرف عن ضحاياه أكثر مما تعرفه الحكومة

الأسباب الرئيسية لانتشار فيروس الكبد الوبائي

كتب

كتب: محمد جاد 

منذ نحو عامين شعر كمال يوسف، صيدلي من المنيا، بمتاعب في المعدة مما اضطره لإجراء بعض الفحوص التي كشفت له بمحض الصدفة أنه مريض منذ أكثر من عشرين عاما بالتهاب الكبد الوبائي الفيروسي.

كما أظهرت الفحوصات أن الفيروس الذي يعيش في جسده منذ أن كان في الثلاثينات تسبب في تليف نحو 20% من كبده.

وتقدر الدولة، بناءً على مسوح لعينات ممثلة للمجتمع، أن ما يتراوح بين 8 و10 ملايين من المصريين مصابون بفيروس سي، لكنها لا تعرف هؤلاء بالإسم حتى تصل إليهم بالعلاج في ظل عدم اهتمام قطاع واسع من المصريين بإجراء الفحوصات إلا بعد ظهور أعراض المرض، الذي يمكن أن يبقى لعشرات السنوات قبل أن تظهر أضراره سواء بتليف الكبد أو السرطان.

وبينما يستقبل العالم ذكرى اليوم العالمي لالتهاب الكبد الوبائي في 28 من هذا الشهر، فإن الحكومة تسعى لإجراء اختبارات للكشف عن المرض في أماكن الالتحاق بالخدمات العامة، كما يتوسع قطاع صناعة الأدوية في تصنيع العقارات المثيلة لعقاقير العلاج الحديثة التي ظهرت عالميا.

ولكن لا يزال أمام فيروس سي فرص واسعة للانقضاض على ضحايا جدد، من خلال العديد من الممارسات غير الآمنة لنقل الدم والتي يتعرض لها المواطن في كثير من الحالات وهو يتلقى خدمة صحية في عيادة أو مستشفى.

لماذا ينتشر المرض؟

يرجح كمال يوسف أن تكون مهنته هي التي تسببت في إصابته بالعدوى من فيروس سي "أنا صيدلي وربما أكون أُصبت أثناء حقن أحد المرضى".

وتتفق استنتاجات يوسف مع تقديرات منظمة الصحة العالمية بأن الخدمات الصحية غير الآمنة هي إحدى القنوات الرئيسية لانتشار هذا المرض، كما قالت جومانا هرمز الخبيرة في المنظمة في رد على أسئلة لأصوات مصرية عبر الإيميل.

ويرى أطباء يعملون في مجال الكبد بمصر أن غياب الرقابة على الجهات المقدمة للخدمات الصحية مع ضعف إمكانيات هذه الجهات يجعل المتعاملين معها في كثير من الأحيان معرضون لانتقال عدوى فيروس سي.

"يفترض أن يقوم الطبيب مثلا بتغيير القفاز الطبي وهو يتعامل مع كل مريض (في ممارسات علاجية تتسبب في إسالة الدماء) ولكن (البعض) لا يغير القفاز إلا بعد 5 أو 6 مرضى أو إذا أراد الطبيب أن يتحدث في الموبايل" كما يقول محمد عز العرب استشاري الكبد في المعهد القومي للكبد.

وأيضا "بسبب كثافة الطلب ومحدودية الإمكانيات لا يتم تعقيم الأدوات الطبية بالشكل السليم" كما يقول يحيى الشاذلي، أستاذ الأمراض الباطنة والكبد بجامعة عين شمس.

وأضاف أنه "مثلا المنظار الذي يُستخدم في تشخيص أمراض الجهاز الهضمي تكلفته مئات الآلاف من الجنيهات ولا تستطيع العيادة أن تشتري أكثر من منظار، ويستغرق تعقيمه 45 دقيقة، ومع كثافة الطلب قد لا يقوم البعض بإجراءات التعقيم لطول وقتها.. نفس الأمر قد يتكرر في عيادات الأسنان وغيرها من أدوات الجراحة التي تستخدم عدة مرات".

وتضع الحملة القومية لمكافحة التهاب الكبد الوبائي، التي أطلقتها وزارة الصحة العام الماضي، تحسين آليات مكافحة العدوى في المنشآت الصحية كأحد أهدافها الرئيسية.

وبحسب البيانات المعروضة في وثيقة الحملة، فقد سعت الحكومة لتبني خطة قومية لمكافحة العدوى منذ 2002 لكن اقتصر تطبيقها على المنشأت التابعة لوزارة الصحة فقط في الوقت الذي تمثل فيه العيادات الخاصة المصدر الرئيسي لخدمات الزيارات الخارجية للمرضى.

"مرور (اللجان الرقابية لوزاة الصحة) على العيادات الخاصة يكون فقط أثناء التراخيص الأولى... منذ أن رخصت العيادة لم أر أحد منهم"، يقول عز العرب الذي التقته أصوات مصرية في عيادته الخاصة بمنطقة الدقي.

وتحذر وثيقة الحملة القومية من أن نظام نقل الدم في مصر "مفتت" حيث يتم تخزين الدم في أكثر من 400 بنك تابع لجهات مختلفة، وقد يتسبب ضعف إدارة تلك المنظومة في نقل دم مصاب بفيروس سي.

وبالرغم من اتجاه الحكومة لتطبيق نظام متقدم لمراقبة تداول الدم منذ التسعينات، إلا أن هذا النظام لا يطبق إلا على 30% فقط من الدم المتوفر عبر البنوك، كما تقول وثيقة الحملة، التي حصلت أصوات مصرية على نسخة منها.

العامل الثاني الرئيسي لانتقال فيروس سي، كما قالت خبيرة منظمة الصحة العالمية، هو الاستخدام المتعدد بين أكثر من فرد لأدوات تعاطي المخدرات.

وتعتبر وثيقة الحملة أن المخدرات سبب رئيسي لانتشار المرض في المدن المصرية، "لا تقتصر عدوى فيروس سي على ممارسات الاستخدام المتكرر للحقن عبر الوريد، بل ان استنشاق المخدرات يساهم أيضا في نقل العدوى لأن الفيروس ينتقل عبر المخاط" كما يقول عز العرب.

وأيا كان السبب وراء استخدام الحقن للعلاج أو تعاطي المخدرات، فإن معدلات استخدام المصريين للحقن تعد مرتفعة مقارنة بالدول المشابهة لها في مستوى الدخل وهو ما يزيد من فرص انتشار فيروس سي، وفقا لبيانات وثيقة الحملة التي تقدر أن المواطن المصري يستخدم في المتوسط حوالي 4 حقن سنويا.

وإلى جانب الممارسات السابقة فإن المرض قابل للانتشار من خلال تعاملات نتعرض لها يوميا. ويقول الشاذلي إن "العدوى من الممكن أن تنتقل بسهولة إذا قمت مثلا بالسلام على صديق وجهه مجروح وكان في وجهك أنت أيضا جرح لم تلتفت إليه، وكذلك من خلال صالونات الحلاقة".

وأضاف "في حالة التيفود أو الكوليرا يتم نقل العدوى عبر الحشرات الطائرة لذا نحذر المواطنين من هذه الحشرات ولكن في حالة فيروس سي فناقل العدوى هو المريض".

حرب المعلومات بين الدولة وفيروس سي

"إذا كان عندي ملايين من الناس مريضة بفيروس سي بحلم وهم بيحلموا معايا إن احنا نقضي على المرض دا في مصر"، كانت هذه كلمات الرئيس عبد الفتاح السيسي في خطاب تلفزيوني في مايو الماضي، تبنت الدولة على إثره ما عرف بمبادرة السيسي لعلاج مليون مريض بفيروس سي.

وشملت المبادرة قيام وزارة الدفاع بعمل اختبارات للكشف عن المرض بين المتقدمين للالتحاق بخدمة التجنيد وعلاج المرضى منهم.

كما حث الرئيس الشركات المصنعة للعقاقير المعالجة للمرض على توفيرها بأسعار أقل من سعر السوق "أنا محتاج من هذه الشركات.. إن أمكن مليون علاج سنويا.. بتكلفة غير اللي انتم بتقدموها للناس" كما قال السيسي في خطابه.

ويرى أسامة رستم، نائب رئيس غرفة صناعة الدواء، أن البلاد تحتاج إلى التوسع في إجراءات الكشف عن المرض أيضا في الجامعات أو عند التقدم للالتحاق بالوظائف في سوق العمل، معتبرا أن "المشكلة الأكبر" للقضاء على فيروس سي "هي الوصول للمرضى الذين لا يعلمون أنهم مرضى".

ويعد السوفالدي دواءً رئيسيا في برنامج العلاج من فيروس سي، وتنتجه شركة جلياد الأمريكية، وبدأت شركات مصرية في تصنيع مثيله محلياً منذ بداية العام الحالي. وقبل اتخاذ تلك الخطوة كان المصدر الوحيد لهذا العلاج هو السوفالدي المستورد، والذي تعاقدت لجنة مكافحة الفيروسات الكبدية على شرائه من شركة جلياد وأتاحته للمرضى عبر المراكز العلاجية التابعة لها منذ اكتوبر الماضي، كما أُتيح الدواء الأمريكي في الصيدليات ولكن بفارق سعري كبير.  

وتقول بعض الأبحاث الطبية إن سوفالدي الأمريكي رفع من احتمالات الشفاء من المرض بدرجة كبيرة تتجاوز الـ90%.

وبحسب رستم، فإن شركات الدواء اتفقت مع الحكومة على توفير ربع إنتاجها من عقار السوفالدي المصنع محليا مجانا لعلاج المصابين بالفيروس.

ويقول رستم إن مصنعي السوفالدي (المعالج للمرض) في مصر يترقبون توسع الدولة في إجراء اختبارات الكشف عن المرض وعلاج المرضى عبر أجهزتها الحكومية، مما سيدفعها للتعاقد مع الشركات الخاصة على شراء الأدوية المثيلة، وهو ما يمثل فرصة جيدة لتلك الشركات في ظل ضعف مبيعات السوفالدي في الأسواق الخاصة بسبب عدم اكتشاف الكثيرين لإصابتهم بالفيروس.

"منذ بداية طرح المثيل المحلي للسوفالدي في السوق المصرية لم يتم بيع أكثر من 60 ألف علبة.. مستقبل الأدوية الكبدية مع المناقصات الحكومية" كما يقول رستم.

ويقول يحيى الشاذلي، عضو اللجنة القومية لمكافحة الفيروسات الكبدية، إن اللجنة قدمت السوفالدي الأمريكي لـ90 آلف مريض، كما قدمت قبل السوفالدي دواء الإنترفيرون لأكثر من 300 ألف مريض، والذي كان يعتمد عليه في نظام علاجي سابق قبل دخول السوفالدي.  

كما توسعت هيئة التأمين الصحي في إتاحة السوفالدي للمرضى، وفقا لما قاله رئيس الهيئة علي حجازي لأصوات مصرية، "منذ فتح باب التسجيل في الهيئة للحصول على العلاج من فيروس سي سجل 114 ألف مريض بياناتهم لدينا، وبنهاية يونيو الماضي كنا قد قدمنا العلاج لـ30 ألف مريض، ونستهدف إتاحته لـ60 ألف سنويا".

لكن كمال يوسف الذي تلقى كورس علاج كامل بالسوفالدي يشعر بخيبة الأمل لأن الفحوصات الطبية كشفت عدم تعافيه من المرض.

"لا توجد بيانات دقيقة عن حالات الشفاء بين من تلقوا العلاج سواء بالانترفيرون أو السوفالدي" كما يقول الشاذلي بلهجة قاطعة مضيفا أنه "لا يوجد نظام لجمع هذه المعلومات .. وهي ضرورية لمعرفة مدى نجاح الحملة".

موازنة مريض بفيروس سي

تتيح لجنة الفيروسات الكبدية عبر فروعها المنتشرة إقليميا دواء السوفالدي المستورد من شركة جلياد الأمريكية بسعر يقل بنحو 200 جنيه للعلبة عن سعر المثيل المصري للسوفالدي المتاح في الأسواق بـ2400 جنيه. ويقول رستم إن "بعض المرضى يفضلون شراء المثيل المصري لتجنب الإجراءات الروتينية للحصول على الدواء من وزارة الصحة". 

وبحسب نائب رئيس غرفة صناعة الأدوية، فإن نحو 8 شركات تقوم بتصنيع السوفالدي محليا في الوقت الحالي.

ولكن العلاج من فيروس سي يتطلب أدوية مصاحبة للسوفالدي وهو ما يرفع تكلفة العلاج النهائية، حيث يقول كمال يوسف إن الكورس العلاجي الأول الذي تناوله كلفه نحو 15 ألف جنيه. واشتمل على ثلاث علب من السوفالدي بالإضافة إلى 12 حقنة من الانترفيرون تتكلف الواحدة 600 جنيه، وعقار النيبافون الذي يصل سعر الحقنة الخاصة منه إلى 500 جنيه والريبافيرن الذي يتم تقديمه مجانا مع الانترفيرون.

ويخضع يوسف حاليا لكورس علاجي جديد اعتمد فيه على عقار الأوليسو بجانب السوفالدي وكلفه تكلفة مقاربة من العلاج السابق.

واستطاع يوسف أن يستفيد من الأسعار المميزة التي أتاحتها وحدات وزارة الصحة لبعض العقاقير، خاصة الأوليسو الذي تقدم العلبة الواحدة منه بـ1800 جنيه مقارنة بسعره البالغ 9600 جنيه في الصيدليات.

ولكنه يشعر بعدم الثقة في السوفالدي بعد فشل تجربة علاجه الأولى "ليست المشكلة في التكاليف ولكني أبحث عن دواء فعال حتى أتخلص من المرض نهائيا" كما يقول يوسف.

ويقول نائب رئيس غرفة صناعة الدواء إن أسعار العقاقير المعالجة من فيروس سي كانت تتجه للانخفاض في الفترة الأخيرة، "أسعار المادة الخام المصنعة للسوفالدي تراجعت مع زيادة الطلب عليها عالميا من ما يتراوح بين 25 الف-30 ألف دولار للكيلو منذ نحو سنتين إلى 5 آلاف-6 ألاف دولار حاليا".

وأشار إلى أن وزارة الصحة تسعى للتعاقد مع شركات الدواء المصرية لإتاحة المثيل المحلي للسوفالدي بسعر أقل من سعر الدواء الأمريكي المقدم حاليا عبر المراكز التابعة لها.

كما تسعى الوزارة لاستيراد عقار جديد يسمى هارفوني من المتوقع أن تكون نسب الشفاء فيه أعلى من السوفالدي، كما يضيف رستم.

تعليقات الفيسبوك