كيف تغيرت حياة 3 أسر مصرية بعد 5 سنوات من الثورة؟

الأحد 24-01-2016 PM 04:38
كيف تغيرت حياة 3 أسر مصرية بعد 5 سنوات من الثورة؟

احتجاجات 27 يناير-صورة لأصوات مصرية

كتب

إنعام: بقى عندنا تموين وعيش من الحكومة

مارك: بقيت ما صدقش كل اللي يتقال لي

ليلى: استجمام لمبارك وناس ماتت وشوية نكت.. وخلاص

كتبت: ياسمين سليم

قبل نحو 5 سنوات كانت إنعام غريب تجلس في بيتها، الذي يقع في واحدة من أفقر القرى بصعيد مصر، في حالة من الرعب والخوف وهي لا تعي ما يحدث أثناء ثورة 25 يناير.

وتقول انعام "كنت خايفه أخرج من البيت ولما كنت باروح أسيوط المركز علشان أبيع الفطير والفايش كنت بخاف أعدي من جنب المظاهرة."

تعمل إنعام بائعة متجولة للفطير والحمام في أسيوط، ولديها 6 أطفال منهم اثنان فقط في المدرسة والباقي خرجوا منها بسبب "عدم وجود أموال"، خاصة وأن زوجها يعمل بائعا متجولا أيضا.

تتذكر إنعام أنها لم تكن تجد طعاما لأبنائها قبل الثورة "فاكرة أننا مكناش بنلاقي نتعشى ولا حتى العيش الحاف".

تدين إنعام للثورة بأنها مكنتها من الحصول على مواد تموينية وخبز دون أن تدفع أموالا كثيرة "باخد دلوقتي تموين بيكفيني أنا وأسرتي بمبلغ 10 جنيه بس في الشهر".

بالنسبة لإنعام المكسب الأكبر كان حصولها على نحو 40 رغيف خبز يوميا "باخد العيش كل يوم وبدفع 15 جنيه بس في الشهر وده نفعنا جدا وسد جوعنا".

وقبل حصول أنعام على كارت الخبز "كانت حالتنا صعبة جدا كنا بناكل العيش اللي بتركنه حماتي جنب الحيط علشان تأكله للفراخ".

كانت وزارة التموين أعلنت في 2014، بعد نحو 3 سنوات من الثورة، عن منظومة جديدة للدعم التمويني تعطي المواطن الحق في الاختيار من بين أكثر من سلعة، وتسمح له باستبدال بعض النقاط التي يوفرها من الخبز المدعم ببعض السلع التموينية.

تسكن إنعام وأسرتها في بيت في قرية الزاوية بأسيوط مملوك لوالد زوجها لكن زوجها يضطر لدفع 150 جنيها شهريا لوالده نظرا لأنه ليس لديه دخل "اللي بيشتغل بيهم جوزي طول الشهر بيديهم لحمايا.. بس نعمل إيه".

تبيع إنعام الفطير والحمام "لزبائن مخصوصين"، بسعر يتراوح بين 10 إلى 15 جنيها للفطيرة الواحدة، وتقول إن هامش الربح الذي تجنيه "قليل جدا" تستطيع من خلاله توفير نفقات أسرتها بشق الأنفس.

"باشتري دقيق وسمنة من بقال جنبنا من غير فلوس ولما أبيع الفطير أروح أدفع له فلوسه، والباقي اجيب بيهم طماطم وعدس ورز وأي حاجة.. بس احنا ملناش في اللحمة خالص علشان غالية".

ولا تحسب إنعام وأسرتها كم تنفق خلال الشهر "عمري ماحسبتها.. المهم اني الاقي أكل العيال والبسهم وخلاص".

توقعت إنعام أن يتبدل حال أسرتها بعد ثورة يناير "كان نفسي بيتنا يتمحر والاقي فرشة للعيال يناموا عليها ومخدات بدل المقطعين اللي عندنا وصرف صحي كويس".

كانت تأمل إنعام أن يجد أبناؤها، الذين لم يحصلوا على شهادة دراسية، عملا بعد الثورة "أنا قلت ولادي هيشتغلوا أي حاجة".

بعد مرور 5 سنوات، تنظر إنعام إلى ثورة يناير باعتبارها "حاجة كويسة طبعا رغم الحاجات القليلة الوحشة اللي جت بعدها.. كفاية إنها ساعدتنا شوية.. دي جابت لنا التموين والعيش".

وترى أن "البلد كانت هتضيع وجت الثورة ومن بعدها السيسي لإنقاذنا".

لا تصدق ما يقال لك 

على خلاف إنعام، تغيرت حياة مارك صابر، 34 عاما، بشكل كبير بعد ثورة 25 يناير وأصبح أكثر وعيا بما يحدث حوله.

"بقيت ما صدقش كل اللي بيتقال إلا لما اتأكد بنفسي، أيا كان مصدر الخبر ومين بيقوله" حسبما يقول مارك، الذي يعمل في إدارة التسويق بإحدى شركات المحمول الكبرى منذ 10 سنوات.

فعلى سبيل المثال، مع إعلان الحكومة عن إعداد مشروع لتنمية منطقة قناة السويس "بدأت أدور على المعلومات اللي بتقولها الحكومة عن المشروع وإيه هي دراسة الجدوى اللي استندوا ليها علشان يقولوا هتحقق كل المكاسب دي".

لم يكن مارك، الذي لديه أسرة مكونة من زوجة وطفلين، يهتم بما يحدث في البلد قبل ثورة 25 يناير، "من بعد الثورة بقيت اهتم بالأخبار الاقتصادية والبورصة وكل اللي بيحصل حوالينا.. قبل كده كنت معزول عما يحدث".

من بعد الثورة زاد الوعي الأمني لدى مارك نظرا للاضطرابات التي تلتها "بقيت أخاف من ان يكون أي معلومة بكتبها على مواقع السوشيال ميديا ليها تأثير عليا وعلى أسرتي فيما بعد".

ويضيف "كمان بقيت مهتم بشكل كبير بأمني الشخصي وأسرتي.. بقيت أحب أعرف شغلي بيأمن على حياتي بكام كل سنة بجانب التأمين الاجتماعي والصحي لأن الوضع مش مضمون".

وعلى المستوى الاقتصادي يقارن مارك، الذي يعتبر نفسه من الطبقة المتوسطة، أسعار السلع في 2011 بالمعدلات الحالية ويقول "الأسعار زادت بشكل كبير مش بس السلع الأساسية وكمان في الرفاهيات".

ويضيف "منذ أيام روحت اشتري ساندوتشين من محل للأكل السريع واكتشفت اني دفعت 70 جنيه في سندوتشين بس فقررت إني لازم استغنى عن الحاجات دي وأعملها في البيت أحسن".

في أعقاب ثورة يناير غير مارك كل خططه المستقبلية "كنت بفكر مثلا أجدد عربيتي، بس حاليا الظروف الاقتصادية ما تسمحش بكده".

كما عدل مارك عن فكرة شراء شقة بالتقسيط كنوع من أنواع الاستثمار، وقال "ده هيلزمني أدفع قسط شهري وأنا مش ضامن المستقبل.. ممكن الشركة اللي بشتغل فيها تقلل مرتبي ولا تمشيني بسبب عدم الاستقرار، كمان خايف أدفع فلوس مع أصحاب المشروعات السكنية وتطلع نصب في الآخر".

أثناء ثورة 25 يناير لم يستطع مارك النزول إلى ميدان التحرير لظروف تتعلق بأسرته "بس كان قلبي مع اللي في الميدان.. كنت بدعمهم على السوشيال ميديا وبكل اللي اقدر عليه".

في نهاية ثمانية عشر يوما هي عمر أحداث ثورة يناير ظن مارك أن "الدنيا هتروق وتحلى بسرعة".

أغلب توقعات مارك خابت فيما بعد، يقول ضاحكا "كنت بقول بعد الثورة الإخوان لا يمكن يجيوا في الحكم وجم، كل حاجة مش متوقعة حصلت".

من وجهة نظر مارك، الثورة "مجبتش مميزات كتير للبلد وخلقت مشاكل أكتر.. لكن كفاية إن الناس بدأت تهتم بحاجة عليها القيمة بدل ما كنا بنتجمع على ماتشات الكورة بس".

يرى مارك أنه "في النهاية الحال قبل الثورة مكنش أحسن من دلوقتي علشان نقول إن الثورة عملت حاجة وحشة، أنا مثلا مكنتش متوقع ان العدالة الاجتماعية هتتحقق بين يوم وليلة زي ما الثورة كانت بتطالب".

حلو ومر

قبل نهاية مارس 2011، كانت ليلى حسن تتأهب لعودة جلسات التداول في البورصة المصرية بعد أن تم تعليقها لمدة 38 جلسة في 2011 بسبب الاضطرابات التي صاحبت الثورة. 

"لما البورصة فتحت تاني كسبت كتير جدا لكن المكسب ده بعد حوالي شهرين اتحول لخسارة كبيرة وبدأت اتأثر ماديا بشكل كبير"، تقول ليلى.

كانت ليلى وقتها تعمل في إحدى شركات الوساطة مع العملاء الأجانب، وتشرح أنه عندما تم استئناف التداول بالبورصة "حصل بيع بشكل كبير من المساهمين الأجانب وده جابلي عمولات كتيرة وحققت فلوس كتير جدا".

لكن بعد حوالي شهرين شعرت ليلى بتأثر شديد في دخلها بعدما توقفت عملية البيع والشراء لدى الأجانب "مكنش فيه شغل وبدأت أحس بآثار التطورات السياسية".

رغم أن دخل ليلى تأثر بشكل كبير جدا بعد الثورة نظرا لأنها تركت العمل في البورصة فيما بعد، إلا أن زوجها دخله ارتفع "في نفس الوقت اللي دخلي فيه انخفض، جوزي كان بيترقى ودخلنا بيزيد ومستوى المعيشة بيتحسن بشكل كبير وده عمل توازن".

تسكن ليلى في إحدى التجمعات السكنية الفاخرة بالقاهرة، كما أنها وزوجها الذي  يعمل في شركة كبرى للدعاية والإعلان يمتلكان سيارتين فاخرتين، ومنزلا في العين السخنة.

تقول ليلى، التي يبلغ متوسط نفقاتها الشهرية 30 ألف جنيه، إن "اللي بانفقه دلوقتي ما اتأثرش كتير عن أيام الثورة".

لم تفارق ليلى ميدان التحرير خلال أيام الثورة "كنت قاعدة طول اليوم هناك، رغم اني من طبقة نقدر نقول عليها استفادت من الحزب الوطني.. أنا اتعلمت في مدارس وجامعة أجنبية.. وكنت دايما بحس ان الفرق بيني وبين الطبقة اللي اقل مني بيوسع قوي".

من أجل العدالة الاجتماعية كانت ليلى في التحرير "كان عندي أمل أن يكون فيه عدالة، مكنتش عايزه أشوف أب أو أم بيخسروا ولادهم علشان جالهم فشل كلوي بسبب الميه الملوثة ولا الأكل".

وتقول ليلى إن السنوات التي تلت ثورة يناير ساءت فيها الأحوال الأمنية بشكل كبير، "وكنت بابقى مرعوبة إن ولادي يتخطفوا زي ما بسمع ولا حد يثبتنا على الدائري لكن الوضع تحسن حاليا".

بالنية الحسنة خرجت ليلى كما تقول ثائرة ضد نظام حسني مبارك هي وبقية المصريين "احنا كانت نيتنا كويسة لكن اللي حصل بعدها مكنش متوقع ورجعنا تاني لمربع صفر".

تصف ليلى 5 سنوات مرت منذ الثورة قائلة "كل اللي حصل إن مبارك دخل المستشفى يستجم وشوية ناس ماتت وطلعنا شوية نكت وخلاص".

تتذكر ليلى ما مر بعد الثورة وتقول "عندي إحساس دايما ان احنا خذلنا نفسنا، مش عارفه مين السبب بس بحس بالخذلان الحقيقي لما تيجي سيرة الثورة".

رغم أن الطبقات الاجتماعية فرقت كلا من ليلى ومارك وإنعام، إلا أن ثورة 25 يناير جمعتهم على أحلام تحسن أحوال البلد والمصريين.. لكن النتيجة أن 5 سنوات مرت ولم تتحقق أحلامهم، كما يرى الثلاثة.

تعليقات الفيسبوك