"شهقة اليائسين" كتاب يوثق للمنتحرين في العالم العربي

الثلاثاء 16-06-2015 PM 04:52

غلاف كتاب شهقة البائسين

الجدل الذي اثارته التعليقات اليائسة التي نشرتها عازفة الناي "ندى سلامة" عبر حسابها على فيسبوك سلط الضوء مجددا على قضية الانتحار. عشرات الأخبار والتحليلات والأسئلة عن الأبعاد السياسية والإجتماعية لانتحار شبان من هذا الجيل وإذا كان له علاقة بحالة احباط لعدم تحقق أحلام "الثورة"، وهي قضية يتناولها كتاب الباحث والكاتب الصحفي د.ياسر ثابت "شهقة اليائسين ..الانتحار في العالم العربي" الذي أصدره متأثراً بانطلاق الربيع العربي بعد حالة انتحار محمد البوعزيزي بتونس وخرجت أحدث طبعاته إلى النور العام الماضي. 

افرد الكتاب فصلاً بعنوان "الإنتحار طريقا للثورة"  تناول به الجذور التاريخية التي تعود لعام 1969 مع التشيكوسلوفاكي يان بالاش الذي أضرم النار بنفسه بعد عام تقريبا من اندلاع  انتفاضة "ربيع براغ" تعبيرا عن اليأس من عدم تحقق النتائج المرجوة منها.

أسبوع الانتحار

ووثق الفصل المزيد من حالات الانتحار في العالم العربي ومصر التي وصل الأمر فيها لما سماه الكتاب أسبوع الانتحار (15-22 يناير 2011) والذي حدث في يوم واحد منه علي سبيل المثال 7 محاولات للانتحار نجحت 4 منها وأحبطت قوات الأمن 3 محاولات أمام مجلس الشعب .

ومن ضمن حالات الانتحار في هذا الأسبوع التي ذكرها الكتاب حالة "السمكري مسعد سعيد عبد القادر من منطقة عزبة خير الله  الذي انتحر شنقا بعد عجزه عن توفير 15 جنيها ثمن الكشف الطبي علي طفلته الوحيدة، التي لم يتجاوز عمرها 3 أشهر. "

ويصف الكتاب ذروة هذا الأسبوع و ردود الأفعال بما حدث يوم الجمعة 21 يناير قبل الثورة بأسبوع.

ويقول "هنا اختلط الهاجس الأمني بالحملة الدينية، والقصد من الاثنين الحد من الخسائر في الأرواح ومنع تفاقم الظاهرة المؤلمة... وفي ختام أسبوع الانتحار تمحورت خطبة الجمعة (21 يناير) في جميع محافظات مصر على "تحريم الانتحار"، وبيان الموقف الشرعي لقتل النفس الإنسانية."

رصد الكتاب خطب الجمعة التي أدان أغلبها الانتحار ورصد كذلك بعض الخطب التي حاولت أن تطرح فكرة أن فساد المسؤولين هو الذي جعل الشعب يلجأ إلي محاولات الانتحار .

"ثم كانت ثورة 25 يناير!"

بهذا العنوان يبدأ فصل جديد من الكتاب قال في صفحاته الأولى "تراجعت معدلات حوادث الانتحار ومحاولات البعض التخلص من حياتهم، واختفت أخبار هؤلاء -أو كادت- من وسائل الإعلام المطبوعة والمرئية والمسموعة.

"صار للمصريين هدفٌ واضح: التغيير.

"لقد صهر البؤس الجميع، ووحّد الأمل الكل.

وعقب نجاح الثورة في تحقيق هدفها الرئيسي، بقيت معدلات الانتحار منخفضة بشكل ملحوظ،... وأخذ المواطنون يملأون شوارع مصر وميادينها حيوية وحركة." 

وبعد أيام قليلة تعود عجلة محاولات الانتحار  للدوران في 23 فبراير 2011  حيث "حاول عبدالقادر عماد الدين عمر (55 سنة) الانتحار أمام مبنى مجلس الدولة في الدقي. والذي حدث أن عبدالقادر جاء أمام مبنى مجلس الدولة صباحـًا وسكب البنزين على جسده، وكاد يشعل النار، مما تسبب في حالة من الذعر بين رواد المجلس، إلا أن رجال شرطة في المجلس استطاعوا منعه.. وتبيّن أن هذا المواطن كان يحصل على معاش والده المُتوفى الذي كان يعمل ضابطـًا بجهة سيادية، ثم جرى منعه من الحصول على المعاش دون مبرر قانوني."

 

وذكر الكتاب نماذج لحالات من طبقات مختلفة كان الإكتئاب سببا في انتحارها بعد الثورة: 

" عامل طلاء، يُدعى عماد زكريا جيد (26 سنة)... شنق نفسه في حجرة نومه في شبرا الخيمة بسبب إصابته بحالة نفسية سيئة. " 

وكان هناك حديث عن المنتحرين قبل وبعد الثورة في السجون مثل حالة " السجين (أحمد. ر) الذي وجد مشنوقـًا داخل محبسه الانفرادي، حيث كان يقضى عقوبة السجن 7 سنوات في القضية رقم 154 جنايات عسكرية، ومسجل خطر "ب" ومتهم في 14 قضية أخرى". 

انتحار  ذوات وكادحين

وطرح الكتاب نموذجا لانتحار ابناء الطبقات العليا من المجتمع  قائلا "انتحر نجل رجل الأعمال عدلي أيوب داخل فيلته بمنتجع "ستيلا نيو كايرو" بالتجمع الخامس، باستخدام (طبنجة) ماركة حلوان، غير مرخصة، ومسروقة من قسم شرطة الجيزة في أحداث الانفلات الأمني التي صاحبت ثورة 25 يناير... واتضح أن المنتحر يمتلك شركة طيران خاصة، ونتيجة الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها مصر وعدم تحقيق مكاسب أصيب بأزمة دفعته للتخلص من حياته." 

كذلك رصد البحث محاولات الانتحار وسط قطاعات بعينها مثل العمال. وقال إن مؤسسة "أولاد الأرض لحقوق الإنسان" رصدت 30 حالة انتحار في صفوف العمال، خلال عام واحد بدءًا من مايو 2011 وحتى نهاية إبريل 2012. 

وحاول ايضا العشرات من ذوى الإحتياجات الخاصة القيام بعملية انتحار جماعي يوم 31 أكتوبر 2011  بعد فشلهم في مقابلة رئيس الوزراء آنذاك د.عصام شرف للمطالبة بتطبيق القانون الخاص بتشغيلهم في المؤسسات الحكومية بنسبة 5%. وسكب العشرات منهم البنزين علي اجسادهم لكن أحبط تلك المحاولة عدد من أفراد الأمن المركزي. 

ويتناول الكتاب حالة الناشطة زينب المهدي قائلا إن "الأزمات الفكرية والأيديولوجية وتقلبات السياسة، كانت مفرمة أقسى مما يحتمل كثيرون في الأعوام التالية لثورة 25 يناير."

وأضاف ان "زينب نموذجٌ مصغر لمجتمع ضاعت فيه الأحلام ولم يعد يمتلك مستقبله" وكما يقول صديقها عمار "كانت مدمرة على كل الصعد.. نفسيـًا وماديـًا ومعنويـًا.. الحلم والمستقبل كان قدامها مقفول من كل ناحية."

ويسرد الكتاب ايضا قصص منتحرين مجهولين أو لا توجد لهم صفحات وأصدقاء كثر علي وسائل التواصل الاجتماعي تحت عنوان "الفقر الضاغط، أدى إلى تكرار حالات الانتحار في مصر ما بعد ثورة يناير."

وعرض قصة كهربائي يسكن في "شقة مثل علب السردين في الطابق الخامس بشارع النصر .. في قلب مدينة الأمل بإمبابة " حسبما كتب هشام حسن عزب (49 سنة) في رسالة وداع لزوجته قبل ان يربط نفسه في مروحة السقف.

وقال في رسالته "أنا انتحرت بسبب ظروفي المادية السيئة ولأنني لا أقدر على الإنفاق عليك وعلى الولدين".. وكتب في ورقة ثانية "أنا أمتلك محلاً وشقة هما لزوجتي وولدي.. وبالنسبة للمحل لم أدفع إيجاره منذ 5 أشهر.. وبالنسبة للشقة لم أدفع لصاحبها الإيجار منذ 4 أشهر".

ويبدو أن الكتاب يسعى من خلال التطرق الى تلك الحالات المجهولة الى توسيع نطاق بحثه لتقديم صورة كاملة عن الانتحار في مصر والعالم. 

تعليقات الفيسبوك