المنسيون في الشتاء.. السرير "بلاط" والوسادة "حجر"

الإثنين 08-02-2016 PM 04:09
المنسيون في الشتاء.. السرير

منزل أم سالم في منطقة الدقي بالجيزة - صورة لأصوات مصرية.

كتب

كتب: سعادة عبد القادر

تعيش أم سالم وأبناؤها الخمسة في غرفة صغيرة تتحول أرضيتها في الليل إلى "سرير" بعدما يفرشون عليها بطانيتين، وتتلاصق أجسادهم طلبا للدفء في ليالي الشتاء الباردة. أما الوسادة فهي ملابسهم المهلهلة يضعونها على قطعة مستطيلة من الحجر طامعين في أن تنال أجسادهم المتعبة قسطا من الراحة، وآملين بأن لا تمطر السماء فيقضون ليلتهم في نزح المياه إلى الشارع بما تيسر لهم من عبوات وأوان.

لا تمتلك أم سالم من حطام الدنيا سوى هذه الغرفة التي لا يزيد ارتفاع سقفها على مترين، وقد تساقطت أجزاء من جدرانها وسقفها الخشبي بفعل عوامل الطقس التي تزيد قسوة في الشتاء بالبرد والأمطار.

قائمة أثاث أم سالم مكونة من أربعة مسامير ثبتت على الحائط بإحكام كشماعة ملابس، وبطانيتين وكرسي من الخيزران.

العوامل الجوية التي أهلكت الغرفة، تركت آثارها كذلك على نفسية أم سالم التي تقول إن غرفتها "لا يستطيع أن يعيش فيها بني آدم على وجه الأرض".

تقع الغرفة في منطقة داير الناحية، وهي جيب فقير في حي الدقي الراقي في الجيزة على الجانب الغربي من نيل القاهرة. وتشكو أم سالم من أن المنطقة، وهي ليست الجيب الفقير الوحيد في الحي الراقي، لا يزورها المسؤولون ولو مرة، في حين تقتصر زياراتهم واهتماماتهم على المناطق الراقية.

"المطر غرق البيوت وفيه بيوت وقعت وبيوت هتقع والحي والحكومة مش سائلين فينا"، تتردد هذه الجملة على لسان العشرات من القاطنين في مساكن عشوائية بالمنطقة.

وأوضح تقرير حديث لصندوق الأمم المتحدة للسكان أن عدد المناطق العشوائية بمصر بلغ 1221 منطقة في 24 محافظة، يعيش فيهم 15.5 مليون نسمة. لكن عدد تلك المناطق وفق تقديرات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أقل من صندوق الأمم المتحدة لكنه الجهاز يفيد بأن شريحة أكبر من المصريين يعيشون بها.

ويقول الجهاز إنه يوجد في مصر 1177 منطقة عشوائية يقطن بها 39% من سكان البلاد.

يقول سمير عشري، سكرتير عام حي الدقي، إن الحي لدية خطة لمواجهة طقس الشتاء الممطر، من خلال تصريف المياه بالشوارع الرئيسية والفرعية.

وعن منطقة داير الناحية قال عشري إن هناك سيارة صغيرة مجهزة بشفاطات تدخل إلى المناطق العشوائية في حالة الطوارئ لسحب المياه المتكدسة.

الكهرباء والمطر عدو واحد


إبراهيم عبده يسكن عشة من الصفيح في حي بولاق الدكرور القريب بالجيزة أيضا، ويقول إنه معرض للصعق بالكهرباء نتيجة سقوط الأمطار على السقف حيث تتسرب منه إلى الأرضية.

يعيش عبده وأسرته المكونة من خمسة أفراد، بينهم طفلان دون السادسة، داخل العشة التي تغطيها ألواح الصاج المرفوعة على عروق خشبية. ويقول إنه يشعر هو وأسرته كل شتاء أنهم ينامون في العراء وفي مهب الرياح والأمطار نظرا لعدم صلاحية منزلهم البسيط للسكن الآدمي.

ويضيف عبده أن أربعة أفراد من قاطني منطقة بولاق لقوا مصرعهم صعقا بالكهرباء خلال فصل الشتاء الحالي من بينهم سيدة مسنة وثلاثة أطفال نتيجة تشبع حوائط المنازل التي تتدلى عليها أسلاك الكهرباء بمياه المطر المتساقطة من الأسقف الخشبية أو الصاج.

وفي حجرة لا تتعدى مساحتها 10 أمتار مربعة في عشوائيات بولاق تسكن أم صلاح هي وابنها صلاح، 38 عاما، وأولاده الثلاثة.

تتحمل أم صلاح المطر والبرد لكن ما يشغل بالها هو مرض الأطفال من أحفادها الذين لا يتحملون برد الشتاء فتتعالى صرخاتهم.

الليالي الباردة هي الأصعب كما تقول أم صلاح، حيث يجمعون الأطفال في ركن الغرفة المهددة بالسقوط، ويستخدمون رولات البلاستيك وما تيسر لديهم من أغطيه لتدفئتهم، خوفا عليهم من المرض ولعدم قدرتهم على تحمل البرد القارس.

تقول أم صلاح "أنا بنام خايفة بالليل من المطر، ومن سقف الأودة ليقع علينا وأموت أنا وعيال ابني ... أنا نفسي يبقى عندي شقة لو 40 متر بس أعرف أعيش وأنام وأنا مطمنه أنا وعيلتي".

ويلتقط رمضان محمود طرف الحديث من أم صلاح قائلاً، "تعالى اتفرج على حالنا في العشة اللي جنبك"، مشيرا إلى غرفته الخشبية التي يبطنها بشكائر بلاستيكية لتمنع دخول الهواء وتحافظ على بعض الدفء.

ويقول محمود إنهم معرضون للموت كل يوم بسبب سقوط المطر وملامسته لأسلاك الكهرباء، التي وصلها إلى الغرفة التي يعيش فيها من أقرب عمود كهرباء مجاور لعدم امتلاكه لعداد كهرباء.

وأعلنت الإدارة العامة للتخطيط والمتابعة بصندوق تطوير العشوائيات يوم 19 يناير 2016 عن أن خطة الصندوق بداية من يناير 2016 وحتى يونيو 2017 هي تطوير 159 منطقة عشوائية، من بينها 81 منطقة مقامة على أملاك دولة، و35 منطقة تم تشييدها تحت كابلات كهرباء الضغط المتوسط، و23 منطقة على أراض تابعة لوزارة الأوقاف والسكة الحديد، و20 منطقة أخرى بأماكن متفرقة.

ويقول محمود إن له ولدين في سن الشباب يرغبان في الزواج ولكن لا يستطيع أن يساعدهما أو حتى يعطيهما جزءاً من غرفته التي لا تصلح للسكن من الأساس، مطالبا الجهات المسئولة بالنظر لهم "بعين الرحمة".

تعليقات الفيسبوك