معركة تحرير أسعار الطاقة .. مشتعلة في بلاد النفط وهادئة في مصر

الإثنين 04-01-2016 PM 01:33
معركة تحرير أسعار الطاقة .. مشتعلة في بلاد النفط وهادئة في مصر

عامل يعبأ سيارة بالوقود في القاهرة- رويترز

كتب

إعداد – محمد جاد

لفتت المملكة السعودية أنظار العالم بإعلانها عن زيادات كبيرة لأسعار بيع الوقود في سوقها المحلية خلال الأسبوع الماضي، لتلحق بمصر في مسار تحرير أسعار الطاقة.

ولايزال الخليج أكثر سخاء من مصر في دعم الطاقة لمواطنيه، لكنه يواجه ضغوطا مماثلة لما واجهته مصر من مؤسسات دولية مثل صندوق النقد الدولي بسبب تفاقم عجز الموازنة، مما وضع دول النفط على نفس مسار الدولة التي تتلقى مساعدات بترولية منها.

لا تزال أسعار الوقود في السعودية أقل من أسعار المياه المعبأة، كما يقول تقرير للفاينانشال تايمز نُشر الأسبوع الماضي،  لكن الزيادات الأخيرة في أسعاره كانت خطوة "راديكالية" في رأي الصحيفة البريطانية في ظل السياسة المعتادة بالسعودية والتي يصفها التقرير بأنها تقوم على تقديم العطايا للمواطنين مقابل الولاء السياسي.

المملكة التي تكافح لخفض عجز موازنتها العامة هذا العام ليقتصر على 11% من الناتج الإجمالي، تتبنى حاليا خطة مداها الزمني خمس سنوات لتطبيق إصلاحات في مجال دعم الطاقة، ضمن حزمة سياسات شملت أيضا تخفيض الأجور الحكومية وتعديلات في النظام الضريبي.

ولم تكن خطوة الأيام الماضية هي الأولى من نوعها في السعودية أو الخليج لتقليل تكلفة دعم الطاقة، ففي 2010 زادت السعودية من أسعار الكهرباء المباعة للمستخدمين من غير الأفراد، وفي 2011 رفعت قطر أسعار البنزين والسولار، ثم طبقت زيادة جديدة للسولار في 2014.

وفي يناير الماضي ضاعفت الكويت أسعار السولار، هذا بجانب الزيادات في أسعار الطاقة المقدمة للقطاع الصناعي، والتي طبقتها البحرين وعمان.

لكن صندوق النقد الدولي، في دراسة له منشورة في نوفمبر الماضي، يعتبر أن التجربة الإماراتية هي النموذج الرائد بالخليج في هذا المجال، فقد استطاعت في أغسطس الماضي أن تطبق نظاما لربط أسعار الوقود المحلية بالأسعار العالمية، وهو ماساهم في رفع أسعار البنزين بنسبة 25%، لكنه خفض أيضا أسعار السولار بنسبة 29%.

وتسعى مصر لتطبيق نظام مشابه للنظام الإماراتي، حيث أعلنت الحكومة في يوليو 2014 عن تبنيها خطة للتحرير التدريجي لدعم الطاقة خلال خمس سنوات، وقال أشرف العربي وزير التخطيط في تصريحات سابقة إنه من المستهدف بنهاية تلك الخطة تقديم الوقود بسعر يمثل 80% من تكلفته الحقيقية للفئات المستحقة للدعم، وتقديمه بسعر مرتبط بأسعار السوق لباقي الفئات.

وكان عام 2014 هو العام الذي اقتطعت فيه الحكومة جزءا كبيرا من موازنة دعم المواد البترولية لتتراجع من 126 مليار جنيه إلى 100 مليار، وساعدها الانخفاض المفاجيء في الأسعار العالمية خلال النصف الثاني من هذا العام  في أن تنهي العام المالي على فاتورة دعم قيمتها 70 مليار جنيه فقط، أي أقل بنحو 30 مليارا عما كانت تخطط له في هذا العام.

لكن الانخفاضات العالمية الأخيرة في الأسعار دفعت مصر  لاتباع مسار مختلف خلال العام التالي، حيث اقتصر التخفيض في ميزانية دعم المواد البترولية للعام الجاري على 9 مليارات جنيه، لتبلغ قيمتها 61.7 مليار جنيه.

ونقلت وكالة رويترز عن رئيس الوزراء شريف إسماعيل، في ديسمبر الماضي، قوله إن الانخفاض العالمي في الأسعار والاكتشافات البترولية الجديدة دفعت الحكومة إلى تهدئة وتيرة تحرير أسعار الطاقة.

لكن المشهد بدا مختلفا على صعيد اقتصادات الخليج، التي ساهم الانخفاض العالمي في الأسعار في تقليص إيراداتها العامة بقوة مما دفع صندوق النقد لمطالبتها بتطبيق إصلاحات للسيطرة على الوضع المالي المتداعي.

وقال الصندوق في بيان حول اجتماع مديرته، كرستين لاجارد، بدول مجلس التعاون الخليجي خلال نوفمبر الماضي، إنه "مع الانخفاض الحاد في الأسعار منذ منتصف 2014، فإن إيرادات التصدير (لدول مجلس التعاون الخليجي) من المتوقع أن تكون في 2015 أقل بـ275 مليار دولار تقريبا من 2014".

كما ترى دراسة صندوق النقد أن انخفاض أسعار الطاقة شجع دول الخليج على الاستهلاك الشره، مما يبرر مطالباته بمضي تلك الدول في المزيد من إجراءات رفع الأسعار.

وتعرض الدراسة ترتيبا دوليا لمتوسط استهلاك المواطن للطاقة، تأتي فيه قطر كأعلى البلدان استهلاكا، في الترتيب 67، تسبقها الإمارات بمركزين وتأتي الكويت في المركز 63 والسعودية في الترتيب الستين، بينما تعد مصر الدولة العاشرة في هذا الترتيب من حيث الاستهلاك.

وفي هذا السياق تفرض الفاتورة الضخمة للدعم السعودي ضغوطا قوية على المملكة التي تسعى لتحسين وضعها المالي، فبحسابات صندوق النقد تبلغ تكلفة دعم الطاقة في السعودية 107 مليارات دولار (ما يعادل 944 مليار جنيه وفقا لسعر الصرف الرسمي للدولار)، وهو ما يمثل أكثر من 10 أضعاف قيمة دعم المواد البترولية الحالية في مصر.

وتظهر بيانات موقع "جلوبال بترول بريسس" المتخصص في أسعار البيع المحلية للوقود، في آخر تحديث له وقت كتابة التقرير، أن مواطني دول خليجية مثل السعودية والكويت والإمارات يتمتعون بأسعار بنزين أقل من مصر، إذ يبلغ متوسط سعر اللتر 23 و21 و46 سنتا على التوالي مقارنة مع 77 سنتا في مصر.

تعليقات الفيسبوك