ماذا حدث للمجتمع المصري بعد 3 أعوام من الثورة؟

الجمعة 24-01-2014 PM 03:52
ماذا حدث للمجتمع المصري بعد 3 أعوام من الثورة؟

مواطنون يلتقطون صور أمام علم مصر قرب ميدان التحرير - رويترز

كتب

كتبت: أروى جاب اللـه وحسن صابر

أجمع علماء اجتماع على أن المجتمع المصري شهد ملامح تغيير بعد ثورة يناير، يمكن مشاهدتها بالعين المجردة، إلا أنهم يؤكدون أنها تحتاج بحثا ودراسة لرصدها وإمكانية تحليلها.

يمكن بشكل مبدئي رصد اتساع المجال العام وحضور الجماهير في الشارع –في احتجاجات وفعاليات يصل المشاركون فيها إلى مئات الآلاف أو الملايين- ومشاركة متميزة للمرأة في الاحتجاجات والانتخابات على حد سواء، وحوادث تحرش جنسي في التجمعات الاحتجاجية، وخلافات حادة داخل كل أسرة بعد أن تحول كثيرون إلى الاهتمام بالسياسة والشأن العام متبنين مواقف متعارضة بحدة.

يقول حسنين كشك، الخبير المتفرغ بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، لأصوات مصرية "إن هناك مشاهدات واستقراءات وملاحظات مباشرة للتغيرات التي حدثت للمجتمع المصري بعد يناير 2011، ولكن لا توجد بحوث قاطعة، ولا يمكن إصدار أحكام لها وزن لظواهر لم تدرس جيدا".

ويقول "اهتزت الدولة كلية الجبروت في مواجهة المجتمع، وخرجت أعداد غير مسبوقة من الناس إلى الشارع، وأصبح الاهتمام بالسياسة كبيرا للغاية، بعد أن كان خبراء يعممون أفكارا من قبيل الخنوع الدائم للمصريين وأن هذا من طبيعتهم."

وأشار لتزايد دور وسائل التواصل الاجتماعي مثل مواقع الفيس بوك وتويتر، وقال إنها عمقت الاهتمام بالسياسة وعكست بشكل متزايد جوانب الحياة السياسية والثقافية والأيديولوجية، وقدمت للمجتمع نظاما تعليميا وإعلاميا يستخدمه الجميع، موازيا لنظام رسمي تهيمن عليه الدولة.

وأضاف كشك إنه اطلع على بحث يشير إلى أن مشاركة المرأة في الحركة السياسية مؤخرا، على جانب الثورة أو الثورة المضادة، هو الأوسع منذ ثورة 1919، ويرى أن دور أطفال الشوارع في الثورة يحتاج أيضا للدراسة.

وقال إن ثورة الاتصالات بشكل عام جعلت الجميع "داخل لحظة واحدة"، وزادت من اقتراب الريف والمدينة منذ نحو عشرين عاما، "في ثانية واحدة تبحث في الكون وتتواصل مع العالم كله وترى ما يراه في نفس اللحظة".

سعيد صادق –أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأمريكية- يقول لأصوات مصرية، إن المجتمع أصبح مسيسا ومتمردا بدرجة أكبر عن ذي قبل، وتسرب بقوة مزاج أكثر تمردا للحياة الأسرية.

ويضيف صادق أن الخلاف في التوجهات السياسية أدي لاستقطاب في العلاقات ما بين الأصدقاء والأقارب.

ويرى صادق أن هذا الاستقطاب حالة مؤقتة وليست دائمة، وأنه سمة تميز فترات الانتقال السياسي المتسارع.

ويرى حسنين كشك أن الأسر طالما شهدت اختلافا في التوجهات السياسية لأفرادها قبل الثورة، لكنه كان خافتا وفي حدود دنيا، إلا أنه اتخذ الآن أبعادا أخرى بعد أن أصبحت لهذه التوجهات إمكانية فعلية للتحقق وإنجاز تغيير بعد فتح المجال السياسي الذي أغلق طويلا في عهد مبارك.

ويشير حسنين كشك إلى ما يسميه "مؤسسات البلطجة" التي يقول إنها استخدمت من قبل جهات عديدة باستثناء "قوى الثورة"، وإلى ظاهرة "الطرف الثالث" الذي عزت السلطة إليه التسبب في الكثير من حوادث العنف.

وشهد المجتمع المصري إلى جانب العنف المرتبط بالسياسة، تزايدا في معدل الجرائم بشكل عام، ونقلت صحيفة "الفاينانشيال تايمز" في مايو الماضي -عن مسؤولين بوزارة الداخلية- إن معدل الجريمة أصبح 3 أمثال ما كان عليه قبل ثورة يناير، وقالت إن هذا يضيف عوائق جديدة للاقتصاد بالغ الضعف، ويفاقم الوضع الأمني الهش، مشيرة إلى أن "موجة العنف لا تشبه أي شئ واجهته البلاد في تاريخها القريب، وأدت لجرائم قتل عديدة، ولتغيير التركيبة النفسية لأمة اعتبرت لفترة طويلة خالية من جرائم العنف".

وقالت الصحيفة إن بيانات حصلت عليها في وقت سابق من الشرطة بينت أن جرائم القتل ارتفع عددها من 774 عام 2010 إلى 2144 في عام 2012، وهو رقم يشمل من قتلوا في احتجاجات سياسية تفجرت عفويا في أنحاء مختلفة من البلاد.

ونقلت عن محمد بسطامي، الباحث بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة، قوله "لدينا مشكلة الآن تتمثل في لجوء الناس للتعبير عن أنفسهم بالعنف معتبرين ذلك ممارسة لحرية التعبير عن الرأي .. نعتبر ما يقومون به جريمة لكنهم لا يرون ذلك".

وقالت الصحيفة إن جرائم كانت تعد نادرة مثل الخطف لطلب فدية ارتفع عددها من 107 عام 2010 إلى 412 عام 2012، وتنتشر الآن في كل مكان، وارتفعت سرقة المنازل من 7368 حادثة عام 2012 إلى 11699 عام 2012، كما ارتفع عدد جرائم سرقة السيارات بين العامين بمقدار يزيد عن أربعة أضعاف.

وربما شهد المجتمع المصري كذلك تزايدا في وقائع التحرش الجنسي، وقالت باحثة مصرية لأصوات مصرية في نوفمبر الماضي إن التصاعد في حالات التحرش الجنسي في مصر يعكس زيادة عامة في العنف في المجتمع المصري في السنوات الأخيرة.

وقالت الباحثة داليا عبد الحميد "لقد أصبح الناس الآن معتادين على مشاهدة العنف والدماء". وأضافت: "عندما ينتشر العنف في مجتمع ما، عادة ما يُوجه ناحية الجماعات الأقل حظاً".

وكانت دراسة أجرتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة في إبريل الماضي في مصر كشفت أن 99.3% من النساء والفتيات اللاتي شاركن بها تعرضن لتحرش جسدي أو لفظي.

وقال حسنين كشك إن المجتمع تأثر أيضا بإعادة طرح العلاقة بين الدين والدولة على مستوى شعبي وواسع، وعلى مستوى "الدين الرسمي والشعبي ودين الجماعات الإسلامية المختلفة".

ويرى حسنين كشك أن بروز الإسلاميين في العمل السياسي بعد الثورة "كشف عن هزال برنامجهم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي، وتلقي الجماعة لأول مرة انتقادا شعبيا، بعد سنوات من انتقاد كان موجها لهم فقط من قبل نخبة ثقافية علمانية".

وقال عصام فوزي، الباحث في علم الاجتماع، لأصوات مصرية، إن المجتمع المصري بعد الثورة يشهد ما يسميه حالة "سيولة اجتماعية ونفسية مركبة".

ويوضح عصام فوزي أن الجسد هو العنصر الأكثر فاعلية في التغيير، وأن أفراد المجتمع بعد الثورة كانوا يتحركون كجسد جمعي لكنه فاقد للعقل الجمعي.

ويقول إنه كانت هناك وقت الثورة رؤى متعددة، ولم يكن هناك مطالب محددة واضحة لهذا الجسد الجمعي، ولم يكن العقل الجمعي قادرا على تنظيم حركة هذا الجسد، ويتركه للانفعال ومزاجه النفسي اللحظي، وعلى الأخص الانفعال بمنظر الدماء.

ويضيف أن "الجزء الأدنى من هذا الجسد الجمعي المهمش بعيدا عن وسط المدينة وجد لنفسه متنفسا في الميادين للتمدد والاستطالة، وتحول لقوة فاعلة في الشارع، ويصطدم بالمؤسسات القمعية التي طالما قهرته".

ويرى فوزي أن "قوى متعددة تناوبت على قيادة هذا الجسد الأدنى، بدءا من النشطاء الثوريين، مرورا بجماعة الإخوان، وكل من رفع شعارا مغريا يقود به هذا الجسد".

ويقول حمل هذا الجسد على الأعناق كثيرين أسقطهم بعد فترة وجيزة، فيما يظل باحثا عن الاستطالة في الشارع في الفضاء الاجتماعي.

ويرى فوزي أن بروز ظاهرة التحرش الجنسي هو جزء من حركة الجزء الأدنى من هذا الجسد الجمعي، وأنها ، بصرف النظر عن التوصيف القيمي والأخلاقي لهذه الظاهرة، فهي فعل نفسي جسدي يعكس شهوة الانتهاك بعد قهر طويل لرغبات مخزونة".

ويرى فوزي أن هذا الجسد الجمعي "لم يعد يحفل كثيرا بشعارات الحرية والعدالة الاجتماعية، ولكن باستمرار وجوده الجمعي، كمنطقة آمنة لأفراده".

ويشير كذلك إلى "تفجر ظاهرة لجوء المجتمع إلى السخرية كسلاح لمواجهة واقع عنيف ليحول مراراته لنكتة سوداء".

تعليقات الفيسبوك