هل تكتب حكومة محلب فصلا جديدا في علاقة الدولة بالموظفين؟

الثلاثاء 11-08-2015 PM 04:53
هل تكتب حكومة محلب فصلا جديدا في علاقة الدولة بالموظفين؟

وقفة احتجاجية لموظفي الضرائب والجمارك أمام "الصحفيين" ضد قانون الخدمة المدنية، 10 أغسطس 2015. تصوير: أحمد حامد - أصوات مصرية

كتب

كتب: محمد جاد 

"ثورة غضب".. "أكبر مظاهرة في عهد السيسي".. "ثورة موظفين" نماذج لتعبيرات تصدرت مانشتات الصحف المصرية اليوم الثلاثاء حول تظاهرات قطاع من موظفي الحكومة، أمس الإثنين، ضد القانون الجديد المنظم لعملهم والمعروف بـ"الخدمة المدنية".

ولفتت تلك التظاهرات الأنظار في ظل تراجع فعاليات الاحتجاج في الشارع المصري منذ 2013، ويثير إعادة إحياءها على يد الموظفين تساؤلات حول طبيعة التغير الذي طرأ في سياسات الحكومة تجاههم والتي دفعتهم لهذا الإحتجاج.

ويقدر مصطفى بسيوني، الباحث المتخصص في الشأن العمالي، حجم المشاركين في تظاهرات أمس الإثنين ضد قانون الخدمة المدنية بحوالي 5000 مشارك، ويرى أنها تمثل تطورا مهما في احتجاجات الحركة العمالية التي كانت تتسم بالهدوء النسبي خلال الفترة الماضية ولم تحشد مثل هذه الأعداد منذ فترة طويلة.

ونظم المئات من موظفي الضرائب العامة والضرائب على المبيعات والعاملين بالجمارك، ظهر أمس الإثنين، وقفة أمام نقابة الصحفيين بوسط القاهرة، احتجاجا على بعض مواد قانون الخدمة المدنية، ملوحين بإجراءات تصعيدية.

وقال وزير التخطيط أشرف العربي، في مؤتمر صحفي مشترك مع وزير المالية أمس الإثنين، إنه لا تراجع إطلاقا عن القانون الجديد، ومن المنتظر صدور اللائحة التنفيذية له خلال أيام.

ويستهدف قانون الخدمة المدنية، بحسب الحكومة، تحسين مستوى الخدمات العامة من خلال إخضاع الموظفين لنظم لتقييم الأداء أكثر تقدما، كما يعدل من نظام الأجور ليستحوذ الأجر الأساسي على 75% من إجمالي الأجر مما يعالج من تشوهات نظام الأجور السابق الذي كانت الأجور المتغيرة تمثل النسبة الأكبر فيه.

هل القانون تحول تاريخي في علاقة الدولة بالموظفين؟

في كتابه النظام القوي والدولة الضعيفة اعتبر الاقتصادي الراحل سامر سليمان أن استرضاء طبقة الموظفين كان من أبرز دعائم حفظ الاستقرار السياسي في وقت حكم مبارك، وأن هذه السياسة ساعدته على تطبيق إجراءات تحررية بتقليص الإنفاق على الدعم  السلعي.

وأشار إلى أن فترة حكم مبارك شهدت زيادة نسبة الإنفاق على الأجور من النفقات العامة من 17% في 1982-1983 إلى 23.4% في 2000-2001.

ويرى سمير رضوان، وزير المالية الأسبق، أن نظام الأجور الحكومية كان لابد من إصلاحه واصفا إياه بأنه "متخلف وغير عادل" معتبرا أن خطوة الحكومة بإصلاح نظام الأجور الحكومية كانت ضرورية.

ولكن أول وزير مالية بعد انتفاضة 25 يناير لا ينكر دور الأجور الحكومية في خلق حالة الاستقرار السياسي، وأرجع نمو الأجور في السنة المالية التي تولى فيها الوزارة، 2011-2012، بنسبة 27.6%، إلى أن "البلد كانت حتفرقع" مشيرا إلى حالة الاحتقان السياسي وقتها.

وأكد رضوان أن نظام الأجور الحكومي لا يضمن العدالة لبعض القطاعات "وقتما كنت في الوزارة تفاجئت بأن بعض العاملين في النقل العام يتقاضون 160 جنيه شهريا".

واعتبر جودة عبد الخالق، أستاذ الاقتصاد ووزير التموين الأسبق، أن "هذه الحكومة لا تختلف عن حكومات مبارك في انحيازاتها (لرجال الأعمال)"، مشيرا إلى أن  سياساتها تفرض ضغوطا على الطبقة الوسطى من الموظفين مما يدفعها إلى الاحتجاج.

ولكن عمرو عادلي، الباحث غير المقيم في معهد كارنيجي، يرى أن قانون الخدمة المدنية يعد تحولا في سياسات الدولة تجاه الموظفين لم تشهده البلاد في عهد مبارك "مشروعات إصلاح القطاع الحكومي على نمط قانون الخدمة المدنية كانت مطروحة منذ النصف الثاني من التسعينات ولكن مبارك لم يجرؤ على تمريرها ولكن هذا القانون مر في غفلة من الزمن".

واعتبر عادلي أن خروج احتجاجات ضد القانون من الموظفين العاملين في الضرائب يعد عاملا ضاغطا بقوة على الحكومة في ظل احتياجها لاسترضاء هذا القطاع مع تطلعاتها لتنمية إيراداتها الضريبية والتحول من نظام ضريبة المبيعات لضريبة القيمة المضافة.

"ليست مصادفة أن تبدأ حركة العمل النقابي المستقل في مصر من الضرائب العقارية.. فهذا القطاع يستطيع الضغط على الحكومة"، يقول عادلي.

كان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد اعتمد قانون الخدمة المدنية الجديد في مارس الماضي في ظل تمتعه بالصلاحيات التشريعية حتى يتم انتخاب البرلمان، وقال وزير التخطيط والإصلاح الإداري أشرف العربي إن الحكومة طرحت القانون لحوار مجتمعي من خلال تنظيم سلسلة من ورش العمل قبل اعتماد الرئيس له.

ويرى عادلي أن لعبة عض الأصابع بين الحكومة والموظفين قد تسفر عن بعض التراجعات من طرف الحكومة في تطبيق القانون مدللا على ذلك بقوله "لقد عجزت الحكومة من قبل عن تطبيق الحد الأقصى للأجور على قطاعات مثل البنوك والقضاء".

كيف يقلص القانون من الإنفاق على الأجور؟

تٌظهر بيانات الموازنة العامة لعام 2015-2016 أن مخصصات الأجور الحكومية سجلت أقل معدل للنمو في هذا العام مقارنة بنمو الإنفاق الفعلى على هذا البند منذ انتفاضة 25 يناير.

وبحسب البيان المالي للموازنة، فقد تم تثبيت المكافآت والبدلات لجميع العاملين بالدولة "بلا استثناء" كإحدى الإصلاحات الهيكلية والمالية الضرورية.

وعدل قانون الخدمة المدنية من نظام حساب الأجور المكملة (المتغيرة) للأجر الأساسي لتكون فئات مالية مقطوعة، بدلا من حسابها كنسبة مرتبطة بالأجر الأساسي الأمر الذي يقلل من فرص نمو الأجور الحكومية.

وقال وزير التخطيط، في مؤتمر صحفي قبل أيام، إن الحكومة تستهدف من النظام الجديد لاحتساب الحوافز والمكافآت تقليل التفاوتات في قيمة هذه البنود بين الأجهزة الحكومية، كما سيكون الباب مفتوحا لإقرار حوافز جديدة لبعض الجهات ولكن بقرار من رئيس الوزراء.

كما أن علاوة يوليو، التي كان يصدر قرار رئاسي بتحديد قيمتها في كل عام منذ 1987، أصبح لها نسبة ثابتة في القانون الجديد، بقيمة 5% من الأجر الوظيفي.

وبحسب تصريحات سابقة لوزير التخطيط فإن الأجر الوظيفي في القانون الجديد سيمثل في المتوسط 80% من إجمالي الأجور التي يحصل عليها موظفو الحكومة في الوقت الحالي.

وفي مقابل كبح زيادة الأجور بهذا النظام الجديد تعهدت الحكومة للموظفين بعدم تخفيض أجورهم عن المستويات التي كانت سارية قبل قانون الخدمة المدنية، حيث أصدر رئيس الوزراء قرار رقم 1822 لسنة 2015 يضمن لموظفي الحكومة الحفاظ على مستويات أجورهم.

تعليقات الفيسبوك